وثائقي صور و فيديو جامع خالد بن الوليد في حمص

فوق مساحة مرتفعة عما جاورها بقليل إلى الشمال من مدينة حمص يجثم جامع الصحابي والقائد الإسلامي البطل خالد بن الوليد الذي يضم ضريحه مضفياً على المكان جواً من السكينة والنورانية والإشعاع الروحي ويُعتبر هذا الجامع الذي تعرض للكثير من التدمير خلال الأشهر الأخيرة آية بديعة في فنون العمارة الإسلامية ومعلمة تاريخية وأثرية هامة كانت تتجه إليها أنظار السائح العربي والأجنبي حين زيارة هذه المدينة الاستثنائية في عراقتها.

يبدو جامع خالد بن الوليد من الخارج سامقاً متماسكاً يزهو بمئذنتيه الرشيقتين اللتين تلامسان السحاب برقة وعذوبة وتلهجان بذكر الخالق وتدعوان المؤمنين إلى الصلاة والسكينة، أما قبابه الخمس وأنصاف قبابه الأربع التي تشكل سقف الجامع فتفيض بالاتزان والهدوء وتستند هذه القباب على الركائز الداخلية وعلى الجدران التي تناوبت حجارتها البركانية بين الأبيض والأسود، وقد خففت من حدة سوادها صفوف من حجارة كلسية شاهقة البياض أضفت على هذا السواد فتنة وروعة وسحراً نورانياً. 





وإذا كان (سيدي خالد) في نظر أهل حمص هو النموذج الحقيقي للمحارب أو بعبارة أدق للمحرر والفاتح وبعد ذلك كان أول من فتح دمشق باسم الإسلام 635م وحضر فتح حمص دون معركة في عام 637م/ لكنه بالنسبة لضمير الناس في حمص قام بأكثر من ذلك، فهو الذي أدخل الإسلام إلى المدينة وأمّن تحريرها وعلى هذا يكون له مع حمص علاقة عضويّة يعبر عنها اسم (مدينة ابن الوليد) و(سيدي خالد) أيضاً –كما هو متفق عليه.

وقد ظل جامع خالد بن الوليد بعد مرور زمن طويل من بنائه إلى جانب مكانته الدينية موئلاً للحرية والنضال درج في محاريبه ومصلاه عدد كبير من علماء المدينة ورجال الدين فيها الذين قارعوا الاحتلال العثماني ومن بعده الاحتلال الفرنسي من على منبره سنوات طويلة، وكانت خطبه بمثابة بيانات تحريض تدعو الناس للثورة والتحرر وفك القيد ومن هؤلاء العلماء الشيخ جمال الدين الجمالي مفتي الشافعية في حمص وإمام وخطيب جامع خالد بن الوليد الذي كان عالماً وثائراً ضد الاستعمار الفرنسي، وكان يهاجم الانتداب الفرنسي من على منبر الجامع هجوماً لاذعاً مستمراً لا هوادة فيه وقد حاول المستشار الفرنسي بحمص التقرب إليه لزيارته في بيته بعدما رفض الشيخ زيارة المستشار في مكتبه بقوله الذي ذهب مثلاً (نحن لا نزار ولا نزور)، وقد تعرض للنفي عام 1933 ولم تعد له حريته إلا بعد مظاهرات صاخبة واحتجاجات مستمرة في حمص وفي المدن السورية واللبنانية على السواء ومن علماء المدينة الذين كان لهم دورٌ كبير في تأجيج نار الثورة على الاحتلال العثماني العلامة الشيخ عبد الحميد الزهراوي الذي كان أحد شهداء السادس من أيار عام 1916، وهاهو جامع سيدي خالد يستعيد هذا الدور ويصبح موئل الثورة والثوار في مقارعة الظلم والطغيان.




الباب العالي:
تشير أغلب المصادر إلى أن البقعة التي دفن فيها الصحابي القائد خالد بن الوليد كانت قرية سميت بـ "الخالدية" تبعد عن مدينة حمص القديمة مسافة تقدر بـ 1200م، وتحولت هذه القرية اليوم إلى حي من أحياء حمص الكبرى، وتذكر هذه المصادر أن أول من اهتم بإبراز عمل هذا البطل وتحويله إلى أثر تاريخي هو السلطان الظاهر بيبرس حيث بنى جامعاً يليق بمقام وضريح هذا البطل وذلك سنة 664 هـ 1266 م أثناء عبوره مدينة حمص متوجهاً للإغارة على مدينة (سيس) بعد انتصاريه في (عين جالوت) على المغول وفي (صفد) على الصليبيين.

وقد أوقف إحدى قرى صفد لخدمة ضريح خالد بن الوليد وتشير إلى ذلك كتابتان أثريتان بالخط النسخي على قطعتين خشبيتين مؤرختين في شهر ذي الحجة سنة أربع وستين وستمائة وقد وجدت الأولى على باب خشبي والثانية على حشوة خشبية مؤلفة من خمسة أسطر. 

يرجع تاريخ بناء الجامع الحالي إلى أواخر العهد العثماني، إذ أُقيم على أنقاض المسجد القديم الذي كان قائماً وفق الطراز المملوكي أيام السلطان الظاهر بيبرس في القرن السابع الهجري _ الثالث عشر ميلادي و"في عهد السلطان عبد الحميد حصل والي الشام (ناظم باشا) على فرمان من الباب العالي لتجديد عمارة مسجد خالد بن الوليد الذي سبق للظاهر بيبرس أن أدخل عليه بعض التحسينات كما ذكرنا آنفاً ويقال أن (ناظم باشا) استحصل من السلطان عبد الحميد على مبلغين بفترتين متتاليتين مقدارهما عشرة آلاف دينار عثماني ثم على مبلغ ستة آلاف دينار ثم أُكملت تكاليف البناء من الحلي والهدايا التي وجدت على الضريح، وبعد الانتهاء من تجديد بنائه عام (1831 -1320) أصبح المسجد مميزاً بطراز عمارته البيزنطية العثمانية التي تذكرنا بمساجد اسطنبول وكنيسة آيا صوفيا وجامع أدرنة وجامع محمد الفاتح" -كما يقول الباحث "محمد فيصل شيخاني" في كتابه (حمص وخالدها) دار الإرشاد حمص – ط 1 / 2006.




العمارة الأبلقية: 
يتألف الجامع من صحن واسع بمساحة (47-36) يضم في جهته الشمالية عدداً من الأروقة والأقواس المبنية وفق نمط البناء الأبلق أي توالي الحجارة السوداء والبيضاء وهو النمط المعماري السائد في حمص منذ أقدم العصور، وفي الجهة الشرقية من الصحن يرى الزائر أربع غرف أعدت إحداها للوضوء وأخرى أُعدت كمتحف للآثار الإسلامية والغرفتان الباقيتان خُصصتا لطلاب العلم الشرعي، وللجامع مئذنتان رشيقتان مضلعتان من الحجر الأبيض الكلسي الشاهق البياض ويزين أطراف المئذنتين قرانص بسيطة وتنتهي كل واحدة منها بمخروط عثماني.

لدى الدخول من إحدى بوابتي الحرم المزخرفتين بطريقة التنزيل والحفر يقابل الزائر بيت الصلاة بأبعاده (30.5-23.5) تعلوه القباب التسع وأعلاها القبة الوسطى وقطرها 12م وهي ترتفع عن الأرض 30 مترا وفي الجهة القبلية من حرم الجامع يقوم ثلاثة محاريب أجملها الأوسط وجوانبه مزينة بالرخام المعرق والمجزع بأشكال نباتية جميلة، كما تبدو الحنيَّات الركنية للمحراب مزدانة بالأزهار الملونة والتوريقات الجميلة أما المحرابان الآخران فلهما نفس حجم المحراب الأوسط ولكنهما تخلوان من النقوش والزخرفات. ويقوم عمودان من الرخام الأبيض الجميل على جانبي المحراب، أما المنبر الرخامي الأبيض المنقوش فهو آية من الإتقان والبهاء من خلال نقوشه البارزة والغائرة التي تحيط بجانبيه كما يتميز بدرابزين مشكل من الرخام أيضاً.




تحفة فنية: 
يقع ضريح الصحابي خالد بن الوليد في الجزء الشمالي الغربي من مصلى الجامع، ويعود تاريخ إنشائه إلى عهد الملك الظاهر بيبرس الذي جعل إحدى قرى مدينة حمص وقفاً لتكريمه في أواخر القرن السابع الهجري بعد انتصاره في معركة عين جالوت على المغول ثم في معارك صفد وطرابلس وخُلدت ذكرى هذه الانتصارات على الحاجز الخشبي الذي كان موضوعاً أمام الضريح وتم نقله إلى المتحف الوطني في دمشق منذ سنوات طويلة ومظهر الضريح العام مألوف من حيث الشكل والحجم في جميع البلدان الإسلامية منذ العهد الفاطمي وحتى يومنا هذا، وهو يمثل إلى جانب قيمتها الدينية الكبيرة تحفة فنية رائعة تمثل نضوج فن الحفر على الخشب بداية العهد المملوكي وتعبر عن مرحلة من مراحل تطور الفن الإسلامي بصورة عامة حيث تجمعت فيها مجمل العناصر القديمة وزاد عليها بعض التقنيات والإبداعات الجديدة. 

طابع محلي:
وفي عام 1903 بدا جامع خالد بن الوليد الذي جدد بناءه الظاهر بيبرس في أواخر القرن السابع الهجري غير لائق بعد الانفتاح الذي تم مطلع هذا القرن على المدن العربية ولذلك أمر السلطان عبد الحميد الثاني بهدم الجامع القديم وبناء جامع جديد انتهى البناء فيه عام 1912، وقد قام بهندسته مهندس معماري من سكان "استانبول" لكن العمال كانوا من أهالي حمص واشترك المعماري باشي عارف خزام وآخر من آل سمرة وهما من أسرتين مسيحيتين في بناء هذه التحفة المعمارية و"في سنة 1908 انقطع الإمداد المادي من السلطان عبد الحميد بعد قيام حركة الاتحاد والترقي، فصار الموكلون بأمر الجامع من أهالي حمص يجمعون التبرعات من أهالي المدينة إضافة إلى النذور التي كانت موجودة على ضريح سيدنا خالد لإتمام عمارة الجامع وفي فترة لاحقة صار أبناء كل حي من أحياء حمص يتبرعون بيوم عمل ويجلبون الحجارة الزرقاء والسوداء من مقالع الوعر لاستكمال بناء الجامع". 

وتشير معظم المراجع التي أرَّخت للجامع إلى أن عمرانه يتسم بطابع عثماني ممزوج بملامح عربية ونحن لا ننكر أن معمارية الجامع فيها شيء من الفن العثماني ولكن جامع خالد جاء أنموذجاً معماريا فريداً مختلفاً عما هو موجود في المساجد العثمانية، كتلك الموجودة في استانبول وفي دمشق (جامع السليمانية) وفي القاهرة (جامع محمد علي) الذي يكاد يكون نسخة طبق الأصل عن جامع خالد بن الوليد لناحية المآذن والقباب والشكل الخارجي.

صرآآحة الموضوووع رآآآآآآآآآآآآآآئع واااصل إبداعاتك         

سررت بردك أخي